ودليل هذه القاعدة قوله صلى الله عليه وسلم "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فائتوا منه ما استطعتم"(15). ومن أمثلة هذه القاعدة منع التجارة في المحرمات من خمر ومخدرات وخنزير، ولو أن فيها أرباحاً ومنافع اقتصادية. منع مالك الدار من فتح نافذة تطل على مقر نساء جاره؛ ولو كان فيها منفعته. منع الجار من التصرف في ملكه تصرفاً يضر بجيرانه؛ كاتخاذ معصرة أو فرن يؤذي الجيران بالرائحة أو الدخان. ومثل هذه القاعدة قولهم: "إذا تعارض المانع والمقتضي يُقدَّم المانع، إلا إذا كان المقتضي أعظم" والمراد بالمقتضي هنا: الأمر الطالب للفعل؛ فوجود المانع يمنع من الفعل غالباً. وقولهم أيضاً: "إذا اجتمع الحلال والحرام أو المبيح والمحرم غلب الحرام". الخاتمة لقد حرص الإسلام على رفع الضرر عن العبد بعد وقوعه، كما حرص على دفعه قبل وقوعه بشتى الوسائل والأساليب الناجعة والإجراءات والتدابير الرادعة؛ مما يحقق للعبد المصلحة، ويدفع عنه المفسدة وفقاً لنظرية المصالح والمفاسد التي تقتضيها المقاصد الشرعية لحفظ نفس العبد ودينه وعرضه وعقله وماله. ومن هنا نجد أن قاعدة: (الضرر يزال) هي قاعدة هامة جداً لتحقيق المقاصد الشرعية؛ حيث تقتضي تحقيق المصلحة ودفع المفسدة وهي ما تقتضيها قواعدها الفرعية التي تبين معنى الضرر وكيف تكون إزالته؟ وتبين حالات الضرورة ومتى يفعل العبد المحظور من أجلها؟ كما أن قاعدة درء المفاسد أوْلى من جلب المنافع التي بينت لنا أن الإنسان لا يجوز له أن يلحق الضرر بغيره مقابل انتفاعه هو بحقه؛ وهذا ما اصطلح عليه شراح القانون الحديث اليوم بنظرية "التعسف في استخدام الحق" والتي بينت المسموح والممنوع في استخدام الحق.
فرقٌ، أم لا؟ فمنهم من قال: هو بمعنى واحد على وجه التأكيد، والمشهور أنَّ بينهما فرقًا. ثم قيل: إنَّ الضرر هو (الاسم) ، والضرار (الفعل) ؛ فالمعنى أنَّ الضرر نفسه منتف في الشرع، وإدخال الضرر بغير حق كذلك. وقيل: الضرر أن يدخل على غيره ضررًا بما ينتفع هو به، والضرار أن يدخل على غيره ضررًا بما لا منفعة له به، كمن منع ما لا يضره، ويتضرر به الممنوع، ورجَّح هذا القول طائفة منهم: ابن عبد البر، وابن الصلاح. وقيل: الضرر أن يضر بمن لا يضره، والضرار أن يضر بمن قد أضر به على وجهٍ غير جائز. وبكل حال؛ فالنبي - صلى الله عليه وسلم - إنما نفى الضرر والضرار بغير حقٍّ، وهذا على نوعين: أحدهما: أن لا يكون في ذلك غرض سوى الضرر بذلك، فهذا لا ريب في قبحه، وتحريمه. -ثم ذكر أمثلةً عليه مع الأدلة-. ثم قال -رحمه الله-: والنوع الثاني: أن يكون له غرض آخر صحيح، مثل أن يتصرف في ملكه بما فيه مصلحة له، فيتعدى ذلك إلى ضرر غيره، أو يمنع غيره من الانتفاع بملكه؛ توفيرًا له، فيتضرر الممنوع بذلك. فأما الأول: وهو التصرف في ملكه بما يتعدى ضرره إلى غيره؛ فإن كان على غير الوجه المعتاد، مثل أن يؤجج في أرضه نارًا في يوم عاصف، فيحترق ما يليه؛ فإنه متعد بذلك، وعليه الضمان، وإن كان على الوجه المعتاد ففيه للعلماء قولان مشهوران -ثم ذكر الخلاف وبعض الصور التي يختلف فيها أهل العلم في ذلك- وأما الثاني: وهو منع الجار من الانتفاع بملكه والارتفاق به.
( قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرًا ولا نفعًا). ( عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم). سورة الأنعام: [6] ( وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو). ( ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء). ( قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا). الحاق الضرر بالاخرين نهانا الله ورسوله عن إلحاق الضرر بالآخرين مهما تعددت الدوافع واختلفت الظروف ، وجاء ذلك صريحًا في العديد من الآيات القرآنية ، والأحاديث الشريفة ، وإليك العديد من الأمثلة حول ذلك: النهي عن شهادة الزور نهى الله عز وجل عن الإدلاء بالشهادة الزور ، والافتراء على أي شخص ، وجاء ذلك في قوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهًا). [7] النهي عن المن والأذى أمرنا الله عز وجل أن لا نتبع الصدقات بالمن والأذى ، وأن نؤديها في السر ، ولا نتفاخر بها ، وجاء في قوله تعالى: ( الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منًا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى).
innovashop-it.com, 2024